سورة الأنعام - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}
{أَرَأَيْتُكُم} أخبروني. والضمير الثاني لا محل له من الإعراب؛ لأنك تقول: أرأيتك زيداً ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلاً لكنت كأنك تقول: أرأيت نفسك زيداً ما شأنه؟ وهو خلف من القول، ومتعلق الاستخبار محذوف، تقديره: إن أتاكم عذاب الله {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} من تدعون. ثم بكتهم بقوله: {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ، أم تدعون الله دونها {بَلْ إياه تَدْعُونَ} بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أي ما تدعونه إلى كشفه {إِن شَاء} إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة {وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} وتتركون آلهتكم أو لا تذكرونها في ذلك الوقت: لأن أذهانكم في ذلك الوقت مغمورة بذكر ربكم وحده، إذ هو القادر على كشف الضرّ دون غيره، ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله: {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} كأنه قيل: أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله.
فإن قلت: إن علقت الشرط به فما تصنع بقوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} مع قوله: {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين؟ قلت: قد اشترط في الكشف المشيئة، وهو قوله: {إِن شَاء} إيذاناً بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة، إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}
البأساء، والضراء: البؤس، والضر. وقيل: البأساء: القحط والجوع. والضراء: المرض ونقصان الأموال والأنفس. والمعنى: ولقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} معناه: نفي التّضرع، كأنه قيل: فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا. ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ} من البأساء والضراء: أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء} من الصحة والسعة وصنوف النعمة، ليزاوج عليهم بين نوبتي الضراء والسراء، كما يفعل الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى، طلباً لصلاحه {حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ} من الخير والنعم، لم يزيدوا على الفرح والبطر، من غير انتداب لشكر ولا تصدّ لتوبة واعتذار {أخذناهم بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} واجمون، متحسرون آيسون {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم} آخرهم لم يترك منهم أحد، قد استؤصلت شأفتهم {والحمد للَّهِ رَبّ العالمين} إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم. وقرئ: {فَتَحْنَا} بالتشديد.


{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}
{إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وأبصاركم} بأن يصمكم ويعميكم {وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ} بأن يغطي عليها ما يذهب عنده فهمكم وعقلكم {يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي يأتيكم بذلك، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة أو بما أخذ وختم عليه {يَصْدِفُونَ} يعرضون عن الآيات بعد ظهورها.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13